الحديث
معه ملغم بالأفكار المختلفة التى تهدم الكثير من الثوابت، وتفسر العديد من
الأمور، وتحذر من عدم تفعيل دورنا فى المستقبل.. يحدثك عن الوهابية
السلفية ويقول إن الأمريكيين والصهاينة وجدوا فيها أفضل التيارات الدينية
لمصالحهم فى الشرق الأوسط، فهى تسب الكفرة وتضع استثماراتهم فوق رأسها -
على حد قوله.يخبرك عن اجتماعات الإدارة الأمريكية، التى لم تنقطع
بعد ثورة 25 يناير لتحديد أنسب أشكال الحكم لمصر فى المرحلة المقبلة لمصلحة
أمريكا، ويؤكد، بحكم منصبه السابق، أن تقارير لجنة حرية الأديان
الأمريكية، ظاهرها الاستقلال وباطنها الاستغلال، محذرا المصريين من الإدارة
الأمريكية والحكومة السعودية، ومحللا وضع الإخوان المسلمين، الذين قال إن
هناك خللاً قديما فى عقيدتهم سيؤدى لتفككهم.من هنا تأتى أهمية
الحوار مع الدكتور خالد أبوالفضل، أستاذ القانون الدولى والشريعة، رئيس قسم
الدراسات الإسلامية فى جامعة كاليفورنيا الأمريكية، عضو لجنة حرية الأديان
الأمريكية السابق مع «المصرى اليوم».. وإلى نص الحوار:
■ الفارق بين بدايتك مع الجماعات الدينية والنهاية فى جامعات أمريكا كبير.. كيف حدث هذا؟-
حصلت على الثانوية العامة من الكويت فى السبعينيات، حيث كان أبى يعمل،
وجئت مصر لألتحق بكلية الحقوق، لكن جذبتنى التيارات الدينية التى كانت تموج
بها مصر، فلم ألتحق بالجامعة وانضممت لجماعة التبليغ والدعوة، ثم تركتهم
وانضممت لتيار سلفى محافظ، أصفه اليوم بأنه وهابى متشدد، فأطلقت اللحية
وقصرت ملابسى وحرمت استخدام معجون الأسنان.وكان تركى للتبليغ
والدعوة بسبب قسوتهم على الفقراء، ولا أنسى وجه عامل بسيط قال للشيخ إنه
يكسب قوته يوما بيوم، ولو خرج للدعوة 3 أيام فى الأسبوع، فلن يجد أولاده ما
يأكلونه، فعنفه الشيخ وقال له إنه لو كان مؤمنا بحق لتركهم وخرج، فبكى
العامل ولم يساعده الشيخ فى حل مشكلته، فقررت الانفصال عنهم وانضممت لتيار
سلفى كان يُصر على أن تكون مصر دولة إسلامية، حتى لو بانقلاب.وكنت
نهما فى القراءة وكانوا يتفاخرون باليسير مما يقرؤونه، كانوا رحماء فيما
بينهم، أشداء على الجميع من خارج الجماعة حتى المسلمين، وأتذكر هجومهم على
الشيخ «الغزالى» وتكفيرهم له، لأنه يُعمل العقل، إذ كانوا غليظى التعامل مع
النساء والمسيحيين، وكان أعز أصدقائى مسيحياً يدعى سليم، وهكذا تركت
التبليغ والدعوة لغلظتهم على الفقراء وتركت السلفيين لتغييبهم العقل
وتعاليهم على من غيرهم.■ كيف حدث التحول.. ومتى اتخذت قرار السفر؟-
جذبنى أسلوب الشيخ محمد الغزالى وعقلانية خطابه الدينى، وما به من سمو
فقرأت له الكثير من الأعمال، «من هنا نبدأ» و«دستور الوحدة الثقافية» و«خلق
المسلم»، ومع اغتيال «السادات» زاد التأزم السياسى فى مصر، وتوحش أمن
الدولة وقرر الشيخ «الغزالى» السفر للجزائر.ووقتها كانت المراجعة
تدور فى ذاتى وكان أبى على صلة بالدكتور أحمد كمال أبوالمجد، الذى نصحنى
بمراسلة جامعة «ييل»، إحدى أهم الجامعات الأمريكية، وكان ذلك فى صيف عام
1982، وقبلونى وحصلت على منحه للدراسة لديهم وسافرت فدرست القانون وحصلت
على الماجستير والدكتوراة.■ كيف وازنت بين نظرتك للإسلام وما وجدته من مفاهيم فى الغرب؟-
جذبنى احترامهم للعلم ودقتهم فى الوصول للمعلومة، وكيف أنهم لا يتعاملون
مع القشور بل مع المفاهيم العميقة، وبدأت إعادة قراءة كتب التراث الإسلامى
من جديد اعتمادا على مناهج البحث العلمى فى التعامل مع المعلومة التاريخية.
واكتشفت أن هناك مستشرقين، رغم الصورة الذهنية السيئة عنهم، أنقذوا التراث
الإسلامى بعلمهم.وجامعة «ييل»، على سبيل المثال، كان بها 30 ألف
مخطوط إسلامى غالبيتها النسخ الوحيدة، وكان أستاذى الذى درست على يديه
الشروح الإسلامية على الفلسفة الإغريقية فى العصور الأولى، يونانياً يدعى
«ديميترى جوتاس»، وكنت شديد الاندهاش من قدرته على قراءة شروح ابن حزم، فى
الرد على فلاسفة الغرب وفهمه أموراً لا أعرفها، رغم أنها جزء من تراثى
كمسلم.ومع تعمقى فى دراسة القانون تغيرت طريقة تفكيرى وبات العقل
مقدساً فى حياتى لكن مع أساس ثابت من الدين الذى تربيت عليه، وأحياناً أنظر
لـ«خالد أبوالفضل»، الذى أطلق لحيته فى شبابه وقصر جلبابه، بنوع من العطف
لا التعالى أو الرفض، لأنه كان يبحث عن الحقيقة وكان ينقصه الرؤية لا
الإيمان.■ هناك اعتقاد بأن الغرب لا يحتوى سوى من يقبل تشريح جذوره ونقدها.. هل هذا صحيح؟-
نعم إلى حد ما، ففى الولايات المتحدة تتم دعوة الوافدين إليها، خاصة
المتميزين فى تخصصاتهم، للحديث عن مجتمعاتهم ونقدها وتوضيح سلبياتها،
والجميع هناك ينصت ويهلل لهم، لكن إن أراد هؤلاء الوافدون التحدث عن
المجتمع الذى باتوا يعيشون فيه ونقده، فلا أحد يستمع إليه، هم يريدون منهم
أداء دور محدد، لذا فالحضارة الغربية لم تحتضن الوافدين إليها، هى فقط
احتضنت شهادتهم لنقد الذات.■ كيف تم اختيارك عضوا فى لجنة حرية الأديان الأمريكية عام 2003؟-
لجنة حرية الأديان منبثقة عن وزارة الخارجية الأمريكية، ولم يكن لها فى
البداية تأثير كبير، لكن قبل ترك «كلينتون» الحكم، رعى قانون صدر من
الكونجرس لتصبح هذه اللجنة إدارة مستقلة تابعة لـ«الكونجرس» ويحق للرئيس
تعيين نصف أعضائها مع ضمان استقلالية تمويلها.وتمثل دور اللجنة فى
تقديم قائمة بالدول المخالفة لحرية الأديان، على أساسها يمكن اتخاذ تدابير
ضد تلك الدول، قد تصل لفرض عقوبات اقتصادية، وللأسف فإن معظم من انضم لتلك
اللجنة من المسلمين، ثقافتهم الإسلامية محدودة بحكم هجرتهم منذ سنوات،
وبالتالى كان تأثيرهم فى عملها محدود.وفى عام 2003 أُعلن عن ترشيح
زعيم الطرق الصوفية فى الولايات المتحدة لعضوية اللجنة، فهاجت الجماعات
الإسلامية ذات الخلفية السلفية، فبحثوا عن اسم ليس عليه خلاف بين المسلمين
وذى خلفية أكاديمية، ولديه خلفية فى حقوق الإنسان، فجاء ترشيحى للمنصب،
وأرسلت خطابا وضعت فيه رؤيتى لقبول المنصب وفى مقدمتها استقلال ما أقوم به
من عمل عن أى سياسة رسمية أو غير رسمية فوافقوا، وكنت أتمنى أن تكون فترة
خدمتى فى هذه اللجنة، ذات تأثير فى قرارات ورؤية البيت الأبيض تجاه
المسلمين، لكن هذا لم يحدث.■ ما الاعتراضات التى سجلتها على عمل اللجنة؟-
شعرت بالكثير من التجاهل لأبحاث عديدة قمت بتقديمها، حول حقوق الجنود
المسلمين فى الجيش الأمريكى، وما يتعرضون له من تمييز، وأخرى عن احتلال
العراق وقتل مواطنيها وما يتعرضون له، فهاجمتنى المنظمات الصهيونية علانية
واتهمتنى بأننى مسلم متطرف فى اللجنة، لكننى لم أكن أتبع إلا ما يرضاه
عقلى.وأصررت على اتباع اللوائح المنظمة لعمل اللجنة، وأذكر أننى
وجدت أن كل اهتمام اللجنة فيما يتعلق بالإسلام، منصب على الدول الإسلامية،
رغم أن هناك دولا غير إسلامية، يعيش فيها عدد كبير من المسلمين يعانون
مشكلات، فوجهت الفريق البحثى، الذى يعمل معى، لدراسة أحوال هؤلاء المسلمين،
لتحقيق التوازن فى عمل اللجنة.واكتشفنا أن دولة مثل أوزبكستان
يتعرض المسلمون فيها للاختفاء والقتل كلما ترددوا على المسجد، وفى إسرائيل
يحدث هدم ومصادرة للمساجد ورفض لمنح تراخيص ببناء مساجد جديدة، ولكن لم
تجذب تلك التقارير أعضاء اللجنة التى انصب اهتمامها على دراسة الأحوال
الدينية، فى دول مثل مصر والسعودية وسوريا، وسجلت كل هذا وبعثت بتقارير
عديدة للبيت الأبيض والكونجرس ولكن لم يصلنى أى رد.■ كثيرا ما تصدر تقارير لجنة الحريات الدينية حاملة إدانة لمصر خاصة فيما يتعلق باضطهاد المسيحيين.. كيف تعاملت مع هذا الملف؟-
هذا صحيح وأذكر أننى أصررت عام 2006 على المجىء لمصر على رأس بعثة بها
باحثون أمريكيون مسيحيون، لمعرفة حقيقة ما يتم توجيهه لمصر من اتهامات فى
ذلك الملف، وقمنا بعملنا عبر المئات من اللقاءات بجميع الطوائف المسيحية،
وخرجنا من البحث بأن هناك حالات تمييز دينى ضد المسيحيين فى مصر، لكنها لا
ترقى إلى حالات الاضطهاد كما يعرفه القانون الدولى، ورغم ذلك صوتت اللجنة،
برفض التقرير قبل قراءته وأصدر الأعضاء التقرير السنوى ووضعوا مصر فى مرتبة
متقدمة، فى قائمة الدول التى تمارس الاضطهاد الدينى، مستندين على تحريم
مصر لحق التبشير فيها. وهذا كلام غير صحيح قانونيا. وأمريكا نفسها ترفض منح
التأشيرة لشخصيات إسلامية ذات تأثير دعوى مثل طارق رمضان، ويعلنون أن هذا
قرار سيادى لا يحق لأحد التدخل فيه، ليس هذا فحسب بل هناك أيضا وثائق دولية
تعتبر التبشير جزءاً خفياً من الاستعمار، وهذا ما قلته فى مقابلة بينى
وبين رئيس اللجنة فى برنامج «من واشنطن» الذى كان يقدمه حافظ المرازى. مما
اضطره لترك اللقاء على الهواء.وكتبت اللجنة تقريرا للرئيس الأمريكى
تتهمنى فيه بفضح الحكومة، واتصل بى البيت الأبيض يطلب استقالتى فأخبرتهم
بأننى لن أستقيل، إلا إذا تم تحقيق فى المخالفات التى ترتكبها اللجنة ولم
يستطيعوا ذلك بالطبع، كما لم يقوموا بفصلى من اللجنة حتى لا يفتضح أمرهم.■ هل كانت التقارير هى الشكل الوحيد لانحياز لجنة الحريات؟-
لا فاللجنة كانت ترفض تعيين باحثين من المسلمين، الذين كانوا يتقدمون لشغل
تلك المناصب، حتى أن إحدى العضوات فى اللجنة وكانت يهودية قدمت استقالتها
اعتراضا على التمييز الذى يمارس ضد إلحاق أى أمريكى مسلم بالعمل فى اللجنة،
ونشرت وسائل الإعلام الأمريكية بما فيها «سى إن إن» و«نيويورك تايمز»
تقارير عن المخالفات التى تمارس ضد الإسلام والمسلمين فى لجنة حرية
الأديان، ورغم ذلك لم تتحرك الدبلوماسية المصرية وقتها، لاستغلال تلك
التقارير فى دحض دعاوى الاضطهاد الدينى فى مصر التى تروج لها اللجنة.
والأكثر أنهم كانوا يعتذرون ويرددون أقوالاً من عينة: سنرى، نحن نحاول، مصر
ليس بها اضطهاد، لذا فمن الأمور التى جعلتنى سعيدا بالثورة المصرية فى 25
يناير، ما منحته لنا من أمل فى التخلص من سياسة «مبارك» السابقة مع
الولايات المتحدة الأمريكية وكان بها الكثير من التعامل بـ«دونية» فى
تعاملنا معها، وكل ما كان يهتم به النظام السابق هو ملف «التوريث».■ على ذكر التوريث.. كيف كان ينظر لهذا الملف فى الإدارة الأمريكية؟-
فى آخر زيارة لـ«جمال مبارك»، إلى الولايات المتحدة علمت من مصادر مقربة
فى وزارة الخارجية، أن اللقاء معه تناول توريثه الحكم، وكانت إدارة
«أوباما» تعلم تأييد إسرائيل له، لكن «أوباما» كان متردداً فنصحه مستشاروه
بقبول الفكرة، على أساس أن هذه البلاد ليس فيها شعب، ورئيس البلاد هو أهم
شخصية بها، وأنه كلما تعرضت أمريكا لمشكلة فى المنطقة سيتصلون بـ«جمال»،
كما كانوا يتصلون بأبيه لحلها، ومن الأمور التى ذكرت فى هذا الاجتماع ما
قيل لـ«جمال»، من أن ما لديهم تقارير تشير إلى أنه غير محبوب من المصريين،
فأجابهم بالنص بأن ما يهتم به هو رضا الرئيس الأمريكى وإسرائيل، أما الشعب
المصرى فهو تحت السيطرة.■ لو عدنا لتقارير لجنة الحريات الدينية.. هل يمكن القول بأنها تستخدم للضغط السياسى على الحكومات؟-
قانونا لا، لكن الحقيقة والواقع يؤكدان أن هذا ما يحدث وأن تلك التقارير
وغيرها تصدر لتحقيق مصلحة الإدارة الأمريكية وأن العملية «مُسيسة»، بدليل
أننى قدمت أرشيفا كاملا لممارسات معادية ضد الإسلام والمسلمين فى إسرائيل
وبولندا على سبيل المثال، لم يلق لها بالا، فقط يؤخذ بالتقارير التى تريد
الإدارة تسجيل نقاط ضعف بها على الأنظمة والحكومات المعادية.■ ماذا عن التواصل بين الإدارة الأمريكية والإخوان المسلمين؟-
أمريكا لا تُعرف «الإخوان» فى العالم تعريفا واحدا، فـ«الإخوان» فى أوروبا
غيرهم فى مصر غيرهم فى حماس، وهناك اتجاه فى البيت الأبيض بأن الإخوان
كلهم شر مطلق ويجب معاداتهم، لكنه ليس الاتجاه الغالب، فهناك اتجاه آخر يرى
أن مصلحة أمريكا فى التعامل مع الإخوان بشكل أو بآخر، وليس بالنحو الذى
تعاملت به أمريكا مع إيران، لأن هناك تقارير سياسية أمريكية تحِّمل إدارة
الرئيس الأمريكى السابق، جيمى كارتر، مسؤولية التباعد مع الثورة الإسلامية
فى إيران وأنه كان يمكن احتواؤها وخلق مصالح مشتركة معها، لذا فرغم ظاهرة
«الإسلاموفوبيا» المنتشرة فى الغرب، فإن اللوبى المعادى للإسلام لا يستشعر
الخطر من الإخوان.■ كيف ترى الخلافات داخل الإخوان.. وما يحدث فيها من انشقاقات؟-
هناك دراسات سياسية أجريت فى الولايات المتحدة منذ سنوات، تنبأت بما يحدث
لـ«الإخوان» اليوم، وارتكزت على مبدأ أن ما كان يجمع الإخوان فى الماضى هو
مقاومة وعداء النظام السياسى الحاكم السابق، وما يدعمهم فى الشارع هو
خطابهم الاضطهادى، وأنهم إذا خرجوا للنور سيكون هناك تنظيم بلا أيديولوجية،
لأن عقيدتهم غير واضحة منذ أيام حسن البنا، وأشارت تقارير إلى أنه لو تقلد
منصب الرئيس فى مصر إخوانى فإنه سيحدث صدام بين الحاكم والجماعة.■ ماذا عن النظرة الأمريكية للتيارات الإسلامية المختلفة الموجودة حاليا فى المنطقة؟-
بعد أحداث سبتمبر، كان هناك نقاش فى جميع أنحاء الولايات المتحدة حول أى
أنواع الفكر الإسلامى له القدرة على التعاون والتعايش مع الغرب وإسرائيل،
ووقتها كتبت العديد من المقالات، تناولت فيها فكرة صراع الحضارات ذات
التأثير فى الخارجية الأمريكية، وتعتمد على أنه يجب ألا يُترك للعالم
الإسلامى الفرصة لبناء حضارة والتقاط أنفاسه، حتى لا يصير قوة تتصارع مع
الغرب وهى وجهة نظر مؤيدة بشدة من اللوبى الصهيونى.وثبت لى من جميع
المناقشات والتقارير، التى نشرت فى الولايات المتحدة، أن الحركة السلفية فى
العالم الإسلامى، بجميع تياراتها هى أقرب التيارات لمصالح الغرب، وأن
نظرية صراع الحضارات تأخذ إفرازات الحركة الوهابية وتعممها على كل الحضارة
الإسلامية، لذا زاد الاهتمام بدراسة الفكر الوهابى، فى ظل إنفاق السعودية
بلايين الدولارات لنشر هذا الفكر، خاصة فى الفترة الثانية لولاية «بوش»
الابن، حيث لم يعد مقبولا انتقاد الوهابية.وعلمت من العالمين ببواطن
الأمور فى الخارجية الأمريكية أن السعودية استعانت بشركة علاقات عامة دفعت
لها 2 بليون دولار لتحسين صورتها، ومولت برامج دراسة الإسلاميات فى عدد من
الجامعات الأمريكية، خاصة ما يتعلق منها بالفكر الوهابى. نحن هنا لا ندرك
أن الغرب أيقن منذ زمن أن الخطر الحقيقى ليس فى الحركات السلفية ذات
المرجعية الوهابية، لكن فى الإسلام الليبرالى الوسطى، القائم على ثوابت
الدين مع نظرة متفتحة للعالم، كما هو الحال فى تركيا على سبيل المثال.ويسوق
الغرب الكثير من الدلائل لتأكيد رؤيتهم، منها أن الحركة الوهابية لا تعتبر
مشكلتها الرئيسية وجود الأجنبى على الأرض المسلمة ولا الوجود الصهيونى
الإسرائيلى، لكن أولوياتها معاداة الشيعة والصوفية، وقضاياها الوجودية
تتعلق بمشاكل خاصة بفكرها كالبدع ووضع المرأة فى المجتمع، وأخطر ما نشر من
تلك التقارير ما ذكر عن أن الحركة الوهابية لا تمثل مشروعاً حضارياً بل
مشروع تابع، اقتصاديا وحياتيا، للغرب فى كل شىء، كما فى النظام البنكى
الإسلامى الذى يستفيد منه الغرب، لأن غالبية أمواله لا يتم استثمارها بل
وضعها فى بنوك الغرب والحصول على فوائدها.ليس هذا فقط لكن الغرب وجد
فى الحركة الوهابية حلاً لمشكلة انتشار الإسلام فى أوروبا وأمريكا، لأنها
تروج لمفاهيم لا يقبلها العقل الغربى، وطالبت التقارير الأمريكية بإعادة
النظر فى التعامل مع الوهابية، مؤكدين أن السعودية، بكل تشددها الدينى، لم
تتخذ أى موقف معاد للغرب، بل على العكس دائما ما تؤيده فى كل ما يتخذه من
مواقف، وليست كتركيا التى تمثل الإسلام المعتدل ولها خط سياسى مستقل، وكانت
الدولة الإسلامية الوحيدة التى رفضت وجود سجون سرية على أراضيها للمخابرات
الأمريكية لتعذيب المعتقلين بها، بينما وافقت السعودية ومصر وسوريا نفسها،
التى يصفها البعض بأنها حائط الصد الأخير فى المنطقة.■ باعتبارك عضواً سابقاً فى التيارات السلفية.. هل ترى أى تطور فى فكرهم بعد كل هذه السنوات؟-
من متابعاتى لشيوخ التيار السلفى، عبر شاشات التليفزيون والبحوث
والدراسات، أرى أن هناك طبقة من السلفية تنبهت لتحسين الصورة والمعاملة،
لكن للأسف هذه العملية لا تؤخذ كعقيدة، لكن كوسيلة لتفعيل القبول وتحسين
الصورة لتسهيل الدعوة.وهذه إشكالية لأن أساس الدعوة هو التواضع الذى
يصل لإنكار الذات وحب الآخر والاهتمام به بلا تعال، كانوا يأمروننا
بالتبسم فى وجه المسلمين من خارج الجماعة، لأنهم جهلاء ضائعون لا يفهمون
شيئاً وذلك سيجذبهم لما نقول، وهذه فكرة استعلائية تفترض أننى الأفضل، لكن
الحقيقة التى اكتشفتها بعد دراسة أن على المسلم الحق احترام ألوهية الله فى
الإنسان مهما كان، لأنه من الممكن أن يمنحنى هذا الآخر الحكمة، ألم يكتسب
قابيل حكمة دفن الموتى من غراب أرسله الله إليه بعد قتله أخاه.. هكذا نحن
بحاجة، كمسلمين، لتعميق فهمنا للإسلام.■ كيف تنظر الإدارة الأمريكية لما يحدث فى مصر حاليا؟-
بعد قيام ثورة 25 يناير، نظمت الإدارة الأمريكية الكثير من الندوات
والمناقشات، تحت مظلة المخابرات الأمريكية والبنتاجون والبيت الأبيض
والخارجية الأمريكية ودعيت لأكثرها، ومن خلال المناقشات قالوا إن مصر بعد
انهيار نظام «مبارك» لن تكون مفيدة لهم، إلا فى ظل نوعين من الحكم، إما
نظام عسكرى أو شبه عسكرى، أو حكم شبيه بالمنظومة السعودية سلفى وهابى يسب
الكفرة طيلة الوقت لكن يضع استثماراتهم فوق رأسه.وكانت السعودية
حاضرة بشدة فى تلك المناقشات الأمريكية بعد الثورة المصرية، وكانت وجهة
نظرها واحدة فى جميعها، وهى أن نجاح الثورة فى مصر وتونس خطر على المصالح
الأمريكية، وقالوا إنهم لا يرغبون فى عودة مصر الخمسينيات التى قادت حركات
التحرر فى المنطقة، لذا وقفت السعودية بشدة ضد ثورة البحرين وحصلت على فتوى
من يوسف القرضاوى بأن ما يحدث فى البحرين ثورة شيعية، فأيدهم اليهود الذين
كانوا أكثر المدركين لأهمية الفكر الوهابى لمصالحهم. وأمريكا لا تستطيع
الإعلان عن وجهها الحقيقى أو أنها ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها
تستخدم نفوذها وعلاقاتها فى وصول شخصيات ذات فكر معين للحكم، بمساعدة دول
أخرى فى المنطقة، ومن بينها السعودية، لذا يجب على المصريين أن يأخذوا
حذرهم ولا يضيعوا وحدتهم ولا يستمعوا لمن يشتت ثورتهم.